مفتى الجمهورية: العقل مخلوق من خلق الله فكيف نحرِّم ما ينبثق عنه من تفكير ونظر

منذ 6 ساعات
مفتى الجمهورية: العقل مخلوق من خلق الله فكيف نحرِّم ما ينبثق عنه من تفكير ونظر

فضيلة الأستاذ الدكتور قال سماحة الشيخ نذير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: “السؤال: هل دراسة الفلسفة حرام؟ للوصول إلى الإجابة الصحيحة لا بد من فهم معنى الفلسفة أولاً.

وأوضح سماحته أن الفلسفة في أبسط معانيها هي حب الحكمة. ويمكن أيضًا اعتباره تقليدًا للأخلاق الإلهية ضمن حدود الإمكانية البشرية. وبناء على هذه التعريفات، يمكننا القول إن الفلسفة هي جوهر الحكمة، وبالتالي فهي لا تتعارض مع الدين.

وأضاف سماحته أن الحكمة وهي الهدف الأسمى للفلسفة تعني الاستقامة في القول والفعل. وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحكمة صراحة في عدة مواضع، منها قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْجَاهِلِينَ رَسُولاً مِّنْهُمُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). [الجمعة: 2]، وفي قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}. [البقرة: 269]. وقد فسر العلماء الحكمة بالسنة، وفسرها بعضهم بالصواب قولاً وعملاً.

وأكد مفتي الجمهورية أن العلاقة بين الفلسفة والعلوم الإسلامية وثيقة، بل ويمكن الحديث عن أخوة ومساندة وتكامل، لا عن تعارض أو تناقض. وأوضح أن علماء الحضارة الإسلامية في أوجها نظروا إلى الفلسفة باعتبارها ممارسة للعقل، وهي إحدى المهام التي يقتضيها الدين والتي حث عليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ كَبِيرٌ) [الروم: 42].

وتابع: “إذا كانت الفلسفة تسعى إلى الحكمة، وهي هدف نبيل مشترك بين النصوص الدينية والفلسفة، وهي نتيجة ممارسة العقل، والعقل من خلق الله، فكيف يمكن تحريمها؟” وفي الواقع، حاول بعض العلماء توحيد الفلسفة والدين من خلال وحدة المصدر، لأن الدين يأتي من الله، والعقل أيضاً من خلق الله.

وأكد سماحة المفتي أن أهدافهما واحدة أيضاً، فكلاهما يسعى إلى الكمال في القول والفعل. وقد أدت هذه العلاقة إلى نشوء عقلية راقية ورؤية اجتهادية شاملة تجمع بين المنهج الفلسفي المنظم والرؤية القانونية الشاملة.

وتناول مفتي الجمهورية نماذج من علماء المسلمين الذين جمعوا بين الفقه والفلسفة، ومنهم الإمام الغزالي الذي وصف بالفقيه والفيلسوف والمتكلم والمفسر، وترك إرثاً علمياً يعكس مهاراته القانونية ومواهبه الفكرية، وخاصة في كتابه المستصفى. واستشهد أيضاً بابن رشد الفقيه المالكي والفيلسوف الأندلسي، صاحب كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الذي جمع فيه بين الرؤية الشرعية والمنظور الفلسفي.

وأشار سماحته إلى أن ابن رشد عبر عن هذه العلاقة بقوله إن الحكمة أخت الشريعة، وأوضح أن الشريعة نفسها هي التي تدعو إلى التفلسف وتحتاج إلى التأمل العقلي ولكن بشروط من أهمها: الموهبة الفطرية (الذكاء)، والعدل، والموضوعية.

واختتم سماحة المفتي كلمته بالتأكيد على أن دراسة الفلسفة جائزة بل هي من أوجب الواجبات في عصرنا هذا نظرا للانفتاح الفكري وتنوع المذاهب والتيارات. وأكد أن دحض الشكوك وتصحيح الأفكار والوصول إلى نتائج إيجابية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال فهم الفلسفة، التي هي شكل من أشكال تطبيق العقل والاجتهاد.

المصدر: أ.ش.أ.


شارك