صندوق النقد الدولى يخفض توقعات النمو للشرق الأوسط وآسيا الوسطى بسبب التوترات العالمية

حذر جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، من أن الاقتصاد العالمي يقف عند “مفترق طرق حرج”. ويواجه التعافي الأخير مخاطر جديدة ناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وإعادة ترتيب أولويات الحكومات. ويلقي هذا بظلاله على الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الخميس حول التوقعات الاقتصادية الإقليمية، حيث أكد أزعور أن المستوى المرتفع بشكل غير عادي من عدم اليقين العالمي، المرتبط بالسياسات المتغيرة بسرعة والتشرذم الجيوسياسي المتزايد، سيستمر في تقويض الثقة لبعض الوقت ويشكل خطرا سلبيا خطيرا على النمو العالمي.
وأضاف أزعور أن هذه التطورات العالمية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم حالة عدم اليقين القائمة في المنطقة، بما في ذلك الصراع المستمر وعدم الاستقرار السياسي والتحديات المناخية.
وفيما يتعلق بتأثير الرسوم الجمركية الأميركية التي أُعلن عنها مؤخرا، قال: “نظرا لمخاطر التجارة المحدودة والإعفاءات لمنتجات الطاقة، فمن المرجح أن يكون التأثير المباشر ضئيلا، لكن التأثير غير المباشر قد يكون أكثر أهمية”.
وأشار إلى أن تباطؤ النمو العالمي قد يضعف الطلب الخارجي وأن تشديد ظروف التمويل قد يشكل تحديا للدول ذات المستويات المرتفعة من الدين العام. وقد يتدهور الوضع المالي والتجاري الخارجي للدول المصدرة للنفط أيضاً بسبب انخفاض أسعار النفط. ورغم أن بعض البلدان قد تستفيد من تحويل التجارة، فإن هذه المكاسب قد تكون قصيرة الأجل في بيئة تتسم بانكماش تدفقات التجارة.
وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وصف أزعور العام الماضي بأنه كان صعباً بشكل خاص، حيث أدت الصراعات إلى خسائر بشرية واقتصادية فادحة. ونتيجة لذلك، تم خفض توقعات نمو المنطقة لعام 2024 إلى 0.8%، وهو انخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية عن توقعات أكتوبر. وقال أزعور إن “الصراعات تؤثر على النمو في بعض الدول المستوردة للنفط، في حين أن تخفيضات إنتاج النفط الطوعية والممتدة من جانب أوبك+ لا تزال تضر بالنشاط الاقتصادي في الدول المصدرة للنفط”. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد تم تعويض النمو القوي في القطاع غير النفطي وجهود التنويع إلى حد كبير من خلال خفض إنتاج النفط.
ورغم هذه التحديات ومستويات عدم اليقين المرتفعة، يتوقع أزعور أن يتعافى النمو في عامي 2025 و2026، شريطة أن يستقر تأثير الصراعات، وتقدم جهود إعادة الإعمار، وتنفيذ الإصلاحات. ومع ذلك، تم تعديل هذه التوقعات نزولياً عن توقعات أكتوبر/تشرين الأول 2024 لتعكس ضعف النمو العالمي. ويتوقع الصندوق الآن نموًا بنسبة 2.6% في عام 2025 و3.4% في عام 2026 للمنطقة، وهو انخفاض بنسبة 1.3 ونقطة مئوية واحدة على التوالي، مقارنة بالتوقعات السابقة. ومن المتوقع أن يستمر التضخم في الانخفاض في العديد من الاقتصادات، لكنه سيبقى مرتفعا في بعضها.
وفي المقابل، تجاوز النشاط الاقتصادي في القوقاز وآسيا الوسطى التوقعات في عام 2024، ليصل إلى معدل نمو قدره 5.4%، مدفوعاً بالتأثيرات غير المباشرة للحرب في أوكرانيا، والتي عززت الطلب المحلي. ومع ذلك، أشار أزعور إلى أنه “مع عودة هذه التأثيرات المؤقتة إلى طبيعتها، من المتوقع أن يتباطأ النمو في السنوات المقبلة مع ضعف الطلب الخارجي، ونمو إنتاج الهيدروكربون بشكل أبطأ، وتراجع برامج التحفيز”.
وأكد أزعور أن هذه التوقعات تخضع لـ”حالة عدم يقين استثنائية” وأن مخاطر التراجع لا تزال قائمة. وحدد أربعة مخاطر رئيسية، أبرزها التوترات الجيوسياسية، والصراعات السياسية الإقليمية، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنمائية الرسمية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والوضع الإنساني في البلدان المنخفضة الدخل والمتضررة من الصراعات.
ولكنه أشار أيضا إلى المخاطر الإيجابية المحتملة، مثل الحل السريع للنزاعات وتسريع الإصلاحات الهيكلية، والتي من شأنها أن تعمل على تحسين آفاق النمو في المنطقة بشكل كبير.
وفي مواجهة حالة عدم اليقين الاستثنائية، دعا أزعور اقتصادات المنطقة إلى الاستجابة على خطين رئيسيين: إدارة عدم الاستقرار في الأمد القريب، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاقتصادات من أسوأ السيناريوهات، وإعطاء الأولوية للاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي مع تكييف السياسات مع ظروف كل بلد ومخاطر الضعف. والتحول الاقتصادي الطويل الأجل من خلال تسريع أجندة الإصلاح الهيكلي التي نوقشت منذ فترة طويلة لتقليل التعرض للصدمات والاستفادة من الفرص الناشئة عن تطور المشهد التجاري والمالي العالمي. وتشمل هذه الأهداف تعزيز الحوكمة، والاستثمار في رأس المال البشري، وتشجيع التحول الرقمي، ورعاية القطاع الخاص الديناميكي.
وشدد أيضاً على أهمية إنشاء ممرات استراتيجية للتجارة والاستثمار مع مناطق أخرى، مثل أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا، وكذلك داخل المنطقة نفسها، بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا، للحد من التعرض للتقلبات الخارجية، وتمكين تقاسم المخاطر بشكل أكبر، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
وأكد أزعور التزام صندوق النقد الدولي القوي بدعم البلدان في مختلف أنحاء المنطقة من خلال تقديم المشورة في مجال السياسات والمساعدة الفنية، وفي كثير من الحالات الدعم المالي.
وأشار إلى أن الصندوق وافق منذ بداية عام 2020 على تمويلات بقيمة 50 مليار دولار تقريباً لدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان والقوقاز وآسيا الوسطى، بما في ذلك 14.8 مليار دولار منذ بداية عام 2024.
وشدد أيضا على ضرورة التركيز على الاقتصادات المتضررة من الصراعات، مؤكدا أن تعزيز المؤسسات الاقتصادية والإنسانية أمر بالغ الأهمية لتحقيق التعافي الناجح وأن الصندوق يعمل بشكل وثيق مع الشركاء لدعم هذه الجهود.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (مينا)